.../...
لاَ أعرفُ-أختي الكريمة قوافي-أحداً على حَدِّ علمي المتواضِعِ القليل،منذ عصر النبوَّةِ ( وهو فترة الثلاثة وعشرين عاماً من عمر الإسلام في حياة رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم )،ولا منذ عصر الخِلافةِ الراشدة،ولا العصر الأموي،ولا العصر العباسي،ولا العصر العثماني،ولا العصر الحديث ؛ ...لاَ أعرفُ أحداً من علماءِ وفقهاءِ ومفكِّرِي الإسلام على اختلافِ مشاربهمْ ومذاهبهمْ وفِرَقِهِمْ واجتهاداتِهمْ ورُؤاهُمْ فَهِمَ من مبنى ومعنى فِعْلِ الأمر (( فاجتنبُوهُ... )) تفسيراً آخرَ غيْرَ الوجوب القطعي باجتنابِ شُرْبِ الخمر-حُرْمَة ًأبَدية ً-لا يجوزُ لمسلمٍ شرْعاً أن يَقرُبَهَا-في غير ما جهْلٍ بها،أو نسيانٍ،أو لضرورةٍ شرعيةٍ تـُقدَّرُ بقدَرها-أو أنْ يستسيغها بتأويل يُخالفُ به الذي وصلنا بالتواتر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم...
لمْ يقلْ أحدٌ أن المقطعَ من الآيةِ الكريمة (( فاجتنبوهُ... )) فيها نظرَة ٌأخرى غيَرَ التحريم أبداً...أبداً...
لاَ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو المرجعية الأعلى في فهم التشريع وإصدار الأحكام...
ولا الصحابة رضوان الله عليهم جميعاً وهم الأرسخُ فهماً من أي جيلٍ لاحِقٍ آخرَ بِحكم احتكاكهم المباشر بالصحبةِ والرفقةِ والعِشْرَة لرسول الله صلى الله عليه وسلم...
ولا جيل التابعين..الذين هم أبناءُ و أحفاد الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين...ولا تابعي التابعين...
ولا أهل السنة والجماعة بما يمثله فقهاء المذاهب الأربعة ومَنْ تفرَّعَ عنهم-اجتهاداً بالقياس وأخذاً بالمصالح المرسلة-أو ممنْ يأخذونَ بظاهر النص كالظاهرية من أتباع الإمام ابن حزم الأندلسي رحمه الله...ولا من علمائنا وفقهائنا الإباضيين الأجلاء منذ عصر الإمام عبد الله بن إباض رحمه الله تعالى...
ولا إخواننا الشيعة منذ الإماميْن الجليليْن زين العابدين وجعفر الصادق وأبيه الإمام محمد الباقر،مروراً بالإمام علي بن موسى الرضا رحمهم الله جميعاً ورضيَ عنهم...
ولا حتى تلك الفِرَق التي كانتْ لها صوْلاتٌ وجوْلاتٌ في قضايا عديدة من الفكرالاسلامي..كالمعتزلة..والماتريدية..والأشاعرة..
بل ولا حتى عند أولئكَ الغلاة في تأويل النصوص،أو أولئكَ المقتصدين في التأويل...
لمْ يَردْ إلينا من هؤلاءِ شيءٌ-على حد علمي القاصر-يقول بأن قوله تعالى من سورة المائدة (( فاجتنبوه... )) لاَ تعني حُرْمَة شربِ الخمر...!!
وقد اضطررتُ-أختي-أن أرخي السمعَ لهذا الشذوذ الخارج عن إجماع الأمةِ،ورحتُ أرصِدُ الحججَ والدعاوَى التي استندَ إليها أصحابُها في الترويج..فلمْ أجدْ طائلاً يقنعُ العقلَ والقلبَ...
قالوا : إنَّ فعلَ الأمر هنا (( فاجتنبوه.. )) لم يُصرَّحْ بالحرمةِ الصريحة،أيْ إن اللهَ لم يقلْ (( حُرِّمَ عليكمْ )) مثلاً...!!!
فقلتُ سريعاً-وأنا أغالبُ الضحِكَ من هذه الطفولةِ العقليةِ في الفهم-:
لو كانَ الأمرُ في الفهم بهذا الشكل السَّمِج لكانَ إذنْ فهْمُ قوْلِهِ تعالى في وجوب الإحسانِ إلى الوالديْن والنهي عن إذايتِهِما (( ولا تقل لهما أفٍّ... )) يقتضي فقط فهْمُ لفظةِ (( أفٍّ ))-وهي عند النحاة اسمُ فعل مضارع بمعنى : أتضجَّر-في معناها الحرفي الضيِّق،وبالتالي سيظهرُ فلاسفة مثل هؤلاء المتشدقين يقولون لنا : إن حرمة معصيةِ العقوق اقتصرتْ فقط هنا على لفظةِ (( أفٍّ )) أما ما عدا ذلكَ،فمباحٌ من الولدِ أن يتجاوزَ ذلكَ مع والديه...وسيظهرُ-بناءً على هذا الفهم السقيم-مَنْ يتجرأ ويضربُ أحدَ والديهِ بالحذاءِ على رأسه،وربما أسالَ دَمَهُ،فإذا ما استنكرتَ الجُرْمَ،قال لكَ : يا أخي..إن اللهَ تعالى قال : (( ولا تقلْ لهما أفٍّ ولا تنهرْهُما... )) ولم يقل (( ولا تضربهما بالحذاءِ ولا تسفِكْ دَمَهُما... )) وأنا معاذَ اللهِ،لم أقلْ لهما أفٍّ ولمْ أنهرْهُما..أنا فقط أشبعتهما ضرباً وأسلتُ دمَهُما...!!!!!!!!!
فما هو الفرق-أحبتي-بالله عليكم بين مَنْ يلوي عنقَ المعنى في قوله تعالى (( فاجتنبوه.. )) وبينَ مَنْ يلوي عنقَ المعنى في الآية (( ولا تقلْ لهما أفٍّ... ))..؟؟؟؟؟
إنه-وايْمُ اللهِ-التقعُّرُ والتمحُّل بعيْنيْهِما...وهكذا يفعلُ الجهلُ برافعِي لوائه..!!!
ونحن لسنا أغبياءَ ولا حمقى ولا سُذجاً ولا جهَلة ً،ويستحيلُ-بعدَ أن أكرمنا اللهُ بنور الفهم ومعرفة العِلم-أن ننساقَ وراءَ رعونةِ هذه النوعية من النقاشاتِ الجوْفاءِ العقيمة المفضوحة،ولا أن تنطليَ علينا الحِيَلُ التي تُدارُ لنا...
لذا..نحن بَدلَ أن ننجرَّ إلى الفخ الفكري الذي يُنصبُ لنا-وهو الدخول في دهاليز السفسطة الفارغة-نهمِسُ لهؤلاءِ المساكين :
علماؤنا يقولون في قواعدهم الاستقرائية : (( توضيحُ الواضحاتِ من المُشكِلات ))...فحرمة الخمر في الآية وسياقها واضحة وضوح الشمس في كبِدِ السماء،يَعضِدُها عشراتُ،بل مئآتُ الأدلة القطعيةِ المتواترة من سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنتهِ المطهرة وأحاديثه الصحيحة...وعليه : فلسنا نحنُ مَنْ تـُرْمَى الكرة في مرماهُ،وتضيعونَ وقتنا ووقتَ الأمةِ الثمين في توضيح الواضحاتِ..نحنُ هنا الأصلُ المنطقي وأنتم هنا الشذوذ..نحن هنا الجوهر والأساس الطبيعي وأنتم هنا الاستثناءُ العجيبُ الغريبُ..
إذن أنتم مَنْ عليكمْ أن توجدوا لفهمِكم الشاذ دليلاً معقولاً يُقنِعُ سَوادَ الأمةِ،ويكفينا فقط-وبهدوءٍ-أن تجيبونا مشكورينَ على هذه الأسئلةِ البَدَهيَّةِ البسيطةِ التالية :
- هل ثبتَ لديكمْ أن رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم توقفَ قليلاً في فهم الآية (( فاجتنبوه.. )) أو لمَّحَ في سنتهِ القولية أو العمَلية أو التقريرية بما يُفيدُ عدَم الحُرمةِ،أو ثبتَ عندكمْ أن شخصاً واحداً في زمنهِ فهِمَ ما فهمتموه..؟؟!!
- هل أنتمْ أعلمْ من رسول الله صلى الله عليه وسلمَ الذي لم يقلْ في حياتِهِ بما تقولون،وكأنكم تقولون لنا بفهمكم السقيم هذا : إننا اكتشفنا في الآيةِ معنىً فاتَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلمَ أن يُنبِّهَ إليهِ ويكشِفهُ للناس..؟؟!!
- هل كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قصيرَ النظر-حاشاه ونستغفرُ اللهَ من أن نقولَ ذلكَ-حتى تأتوا أنتم اليومَ في القرن الواحد والعشرين لترَوْا ما لمْ يَرَهُ في فهم الآية..؟؟!!
المَيْكرفون لكم...!! والأمة كُلها-أيها السادة-تنتظرُ إجاباتكم إن كانَ عندكمْ أصلاً إجابة يُمكِنُ أن تـُقالَ...!!
أما أنتِ-أختي الكريمة ريم-فجزاكِ اللهُ خيراً على هذه النقول الشرعية الوافية التامة الكاملة في إثباتِ حرمةِ الخمْر حرمة ًأبديةً قاطعة،لا نقاشَ فيها ولا جدال أو تأويلَ...وحيَّا اللهُ علماءَ الأمةِ الأفذاذ،فإنما هم (( ورثة الأنبياء )) بلا منازع كما وصفهم بذلك الصادق المصدوق صلواتُ ربي وسلامه عليه...
وحَفِظ اللهُ علينا ديننا وحياتنا وأبناءَنا وكل المسلمين من ( أم الخبائث )،واللهَ نسألُ أن يُطهرَ الأمة من رجسِها ودنسِها وخبثِها..آمين أمين يا رب العالمين...ودمتِ أختي كما العهدُ بكِ دائماً....
__________________
يَا رَبيعَ بَلـَـــــدِي الحبيب...
يا لوحة ًمزروعة ًفِي أقصَى الوريدِ جَمَـــالاً..!!
التعديل الأخير تم بواسطة يزيد فاضلي ; 29-11-2013 الساعة 01:34 AM
|