اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة يزيد فاضلي
...الصراعُ التاريخي المفتعَلُ-أستاذ فهد-بين ( العقل ) و ( النقل ) لمْ يُعرَفْ إلا في المناخ الحاد الذي حدثَ في أوروبا الكاثوليكية أيامَ اتفقتِ الكنيسة على التحالف مع ملوك الإقطاع لسحق إنسانيةِ الإنسان الغربي وتدمير آدميته باسم الحفاظ على إرث بطرس الناسك..!!
لقد كانَ صراعاً رهيباً مريراً بين ( السلطان ) و ( العرفان )..وكلنا درسَ كيفَ كان الطغيان والجبروت الكَنسِي الإقطاعي ضد أي تفكير علمي يسعى إلى مناهضة الخزعبلاتِ التي تفرضها الكنيسة على العقل الحر..وكلنا يعلم ما الذي قامتْ به ( محاكم التفتيش الكَنسية ) من أهوالٍ ضد العلماء والمفكرين الذين أرادوا-بسائقٍ من أفكارهم العلمية-أنْ يخرجوا على بيت الطاعة القمعية..!!
لذلك كان شعارُ أكبر ثورتيْن عرفتهما أوروبا في تاريخها المعاصر-وهما الثورة الفرنسية ثم الثورة البلشفية في روسيا-موجَّهاً أساساً إلى إنهاء طغيان الكنيسة والطبقات الأروستقراطية الحاكمة..كان شعار الثورة الفرنسية (( اشنِقوا آخرَ ملِكٍ بأمعاءِ آخرَ قسيس )) وكان شعار الثورة البلشفية (( لا إلهَ والحياة مادة ))..أي : انهُوا الملوكَ والأديانَ في الأرض،لأنهم سببٌ مباشر في قتل إنسانية الإنسان الغربي..!!!
لكنْ للأسف..الثورتان اللتان قامتا لتحرير الإنسان الغربي من طغيان الكنيسة والثورة على هرتقاتِها اللاعقلانية انقلبتَا ثورة على أي دين آخر بما فيها الإسلام نفسِه..!!
وراحَ الخائبون من أبناء جلدتنا يطالبون بعزل الدين الإسلامي عن قيادة عجلة العقل والحياة تمشِّيًّا مع النسق الغربي في التحرر والانفتاح...
ونسيَ هؤلاء-أو تناسوا-أن طبيعة الإسلام في تعاليمه وظروفه التاريخية تختلف تماماً عن طبيعة وظروف الإنسان الغربي في القرون الوسطى...
فمتى كان الإسلام يوماً حرباً على العقل أو حجْراً على طاقاته وانطلاقاته..؟؟!!
إن أنضرَ فترةٍ وقعَ فيها احترامٌ للعقل البشري هي تلك الفترة التي نشرَ فيها الإسلامُ نورَه وعَمَّتْ رحمته الأرجاءَ والأصقاعَ،وما عرفت البشرية انسجاماً بديعاً رائعاً بين العقل والنقل إلا تحت مظلة الإسلام..نؤكد ذلك بشهادة المفكرين والمؤرخين الأوروبيين أنفسِهِمْ..ولنا أن نقرأ ما كتبت المستشرقة الألمانية الكبيرة زيغريد هونكَهْ..والمؤرخ البريطاني أرلوند توينبي..والفيلسوف برنارد شو..وموريس بوكاي..وإلكسيس كاريل..وغوستاف لوبون..وزينر..وجون آرثر آربري...وعشرات العشرات المنصِفين الغربيين...
في صدر التدوين المعرفي الإسلامي..وفي القرون الهجرية الأولى نجدُ رجلاً فقيها حُرًّا مثل الإمام ابن تيمية-رحمه الله-يخرج للدنيا بكتاب شامخ هو ( درْءُ تعارض العقل والنقل ) ليبين-في استقراءٍ واستنتاج-موافقة صريح المعقول لصحيح المنقول،بعيداً عن المعركة المفتعَلة التي يُثيرُها أولئكَ المتساقطون-فكريا وفلسفيا-على قوارع العلم الحقيقي والطرح المنطقي...
العقل عندنا-أخي الحبيب-يربأ من أن يكون في مواجهة الروح أو أن يَجد إشكالية في التكيف مع مسلماتِ الغيب في عقائدنا الراسخة..ولسنا-ولن نكون أبداً-ذلك الفيلسوف الفرنسي الوجودي السادي المريض جان بول سارتر،الذي ألفَ رسالة وجودية حقيرة عنوانها ( العقلانية في مواجهة الجانب الروحي من الإنسان rationalité dans la face du côté spirituel de l'homme )...
العقلانية عندنا،لها أن تتمطط وتذهبَ إلى أقصى حدود التفكير والاستقراء والاستنتاج،لكنها حين تصطدمُ بأولى حواجز التناهي،تتوقفُ-في غير ما إجبار أو اضطرار أو إكراه-لتصنع ذلك الحاجز الإنساني الطبيعي بين ( المعقول واللامعقول )-كما سماه أستاذنا الكبير الدكتور زكي نجيب محمود رحمه الله-وإنما يتوقفُ-عن قناعةٍ كاملة-بإيحاءٍ فطري من قوله تعالى : (( ولا تقفُ ما ليسَ لكَ به عِلمٌ إن السمعَ والبصرَ والفؤادَ كلُّ أولئكَ كان عنه مسؤولاَ )) وقوله تعالى : (( يأ أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياءَ إن تـُبْدَ لكم تسؤكُمْ ))...
وبوركتَ على ومضتِكَ الفكرية أخي الكريم...
|
هي إشكالية أبدية وصراع أبدي بين مجموعة خطابات بكل ما تحمله من إيديولوجيات .. والضحية الإنسان البسيط .......!!!!!