مراكب خلف الشطاَن  – محمد الفاضل
يتهادى قارب الأحلام في عرض البحر ، يحمل في جوفه وعود وأماني ظلت حبيسة صندوق ذكريات عتيق ، مع أهات وغصات  ،  في ذلك المكان البعيد خلف الشطاَن وغابات النسيان وبرد الشمال  ،  تنتظر الأمهات عند مرافئ الوداع عودة الأحباب ، هملت العيون وصدحت  التسابيح  في جوف الليل ، يحدوهم الأمل بلقاء قريب . ودعاء في ساعة  سحر ، يا راحلين ارجعوا .. اشتاقت لكم زوايا المكان ، وسهرات المساء ، ومواسم الحصاد ، ورائحة قهوة الصباح بطعم الهال  وعبق الياسمين ،  رحلتم وتركتم في القلب غصة ، مازالت شجرة الدار وزهر الياسمين  يتنسم عطركم  مع نسيمات الصباح وأنفاس الفجر . مازال العيد يفتقد ضحكاتكم ، والأطفال ينتظرون ( خرجية ) العيد .
أبحرت مراكبكم مع  أول ضياء ، تمخر عباب المجهول ، في لجة البحر وتلاطم الأمواج ضاعت الأمنيات والذكريات ، تحجرت الدموع في المأقي ، وعلى  شاطئ البحر يرقد( اَلان  ) يلعن الخذلان ، بعيدأ عن أحضان الأمهات المكلومات ودفء المكان ، مرت السنون سراعاً  ولم تزل المراكب تبحث عن مرفأ .
 حتى مرابع  الصبا لم تعد  تعرفنا ، بتنا غرباء ، في خضم بحثنا عن الأوطان .
يا بحر ...كم ابتلعت من قصص وحكايا .... وكم ابكيت من عيون ،
 يا قارب الأحلام ... رفقاً بقلوب الأمهات ، فقد طالت الأيام ولم يعد للحزن متسع ،
 يا ليمونة الدار ... أما زلت تذكرين عهدنا أم تراك نسيت ؟
 يا عصفور السنونو ... أما زلت تحمل رسائل الشوق لأحباب خلف الوادي ، أم تراك هرمت ؟ 
يا كرمة الدار ... أما زلت تذكرين سهراتنا تحت ضوء القمر ، أم تراك يبست ؟ 
يا أماه ... أما زلت تذرفين الدمع وتشمين قميص يوسف وعدنان ، أم ترى عيناك ابيضت من الحزن على فرقة الخلان ؟ هل مازلت تلوحين لكل العابرين ؟ لله درك كم صبرت ، وكم ... وكم 
كفكفي الدموع يا أماه ، نحن عائدون ، نحن عائدون يا وطن  ، نكحل العيون بتراب الشام  ونلثم جباه الأمهات ونمسح الغبار عن دفتر الذكريات وألبوم الصور ، نروي شجر الياسمين ونحتسي قهوة الصباح تحت ظلال الزيزفون وجفنات العنب . سنكتب على أوراق السنديان والحور قصائد غزل وملاحم فاقت بطولات أخيل .
السويد – 1 / 7 / 2016