المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : جثمانها الطاهر


جاسم القرطوبي
20-12-2009, 03:28 PM
بالرغم من مرور عشرين سنة إلا أنه لم يفتأ عن زيارة روضها قدر سنة لاسيما وأنها توفيت في فترة قضائه عقوبته في السجن في فترة كلا من الزوجين بحاجة لعناق بعضهما عناقا أحر من ليلة الدخلة. خرج إليها صباحا كعادته ،الورود التي بيده لا يفوقها نظارة سوى أناقته ،ولا يشبهها جمالا غير الوداد الذي تتضوع به لها مشاعره . ووقف أمام قبرها عازفا منظومته العشقية وفجأة برق لعينه فتاة في عمر تلك الأزهار التي يحتضنها . اقتربت منه والتفت إليها وخفقت براية الارتباك جوانحه .. لا يعرفها ويشك أنها تعرفه إلا إنها اقتربت منه شيئا فشيئا سائلة : عمي ، عمي لمن كل هذه الأزهار .. وقبر من هذا الذي زدته بدموعك اخضرارا أقبر زوجتك أم والدتك ؟ تلعثم ولم ينطق ببنت شفه .. ابتسمت قليلا ثم انصرفت ولم تبق له أي جارحة أخرى إلا وسلبتها سوى عين رمقتها حتى تولت إلى ظل شجرة . ومكث يراجع قلبه أيا تراك يا قلب صرفت بخفة دم هذه الصغيرة وتجاهلت ودا عظيم الأعراق ، أهدى لك سباته الأرق ، وجعلتك شآبيب فراقه وحدته إنسانا من النسمة أرق، أم ماذا ؟ ثم جثا على القبر ساعة باكيا . أتت إليه الطفلة وقالت له : يا حسبك الله يا عمي ، ألم تزل تتخضب بالحزن ؟ وهو ساكت لا يرد ، ولا يصغي لحوارها ، ولا يبالي بثرثرتها. وتحت وابل إلحاحها غادر المقبرة ولم يبتعد سوى بضع خطوات حتى نادته باسمه فالتفت إلنا : أتعرفينني ، أجابت بنعم ، وما عليك إلا أن تتبعني ، فتبعها ومضت به حتى أوصلته لقبر ليس ببعيد عن قبر زوجته،وقالت له : أنزف دماء عينيك هنا فهذا هو قبر زوجتك وأنا هي زوجتك ولم يفق من دهشته إلا بعد أن رآها كقطرات السماء غارت في الأرض ولكن في القبر الذي كان يظنه قبرها .