الْحُفرَةُ
... وكانَ لهم في ما صنعت أيديهم إصباح معتم، وممْسى مظلم، ومبيت كالليل البهيم، فأمَّا إصباحهم فلم يكن لديهم سوى من قبيل الضيق والشقاء، وأمَّا ممْسَاهم فبلغواْ فيه قمة النصب والعناء، وأما مبيتهم فأدرك بهم منتهى السُّهاد والرُّعب والعقبة الكأدَاء، ونالهم من العذاب ما نالهم وظلوا يتقلبون فيه سَواء ...
لم يكونوا يستعجلون في ما دأبواْ عليه إلا الشر، وكمْ كانوا يجبرون أفئدتهم على أن تخفق غصباً بالحقد والعدَاوة والمكر، ويكرهون ألسنتهم على رشق سهام مسْمومة ممقوتة يصوبونها إلى أعين المعروف والخير، ثمَّ كمْ أصرُّوا على أن يمكث شزر بغضائهم وظلمهم الكريه، مَا دامُواْ على قيد الحياة، حربة باطل مسَددة إلى صدْر الحق من مغيب الشمْس إلى بزوغ الفجر ...
آثروا الضلال على الهدَى، فخابَ سَعيهم إذ صَمُّوا آذانهم عن سمَاع وعظ الردَى، وَضاعَتْ حَياتهم في مَا ضرهم ولمْ ينفعهم سُدًى، فلم يظفروا لأصواتهم المنكرة بأي صدى، وكانوا يحسبون المجد، قبل أن يدركهم الموت، في نشر الطغيان وإلحاق الأذى، وأنَّ الذكرَ سيخلدُ لهُم دُونَ سوَاهمْ من الخلق سَرمداً، وتناسَواْ في مَا بينهم أن كلَّ صغيرة وكبيرة قد أحصيت وعدت عدّاً، وأنَّ الحسَاب العادل والجزاء الأوفى سيكون غداً ...
د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
السندباد