مقتطفات من الماضي الجميل

[أنور]

كانت حياتهم بسيطة لكنها جميلة في كل تفاصيلها حياة يملئها الحب والإخاء والتواصل ، قلوبهم بيضاء كبياض القطن لا يحملون حقدا ولا حسدا لبعضهم البعض ،تراهم كاليد الواحدة في أفراحهم وأحزانهم ، ماضيهم يشهد لهم بذاك فلن أنسى أيام جدي وأبي يرحمهم الله في وقت جني ثمار النخيل تراهم وقد تجمعوا كل يوم في بيت من بيوت أهل الحي فراودني سؤال لجدي قلت له أرى الرجال اليوم قد تجمعوا في بيتنا لماذا رد علي ً يا بني غدا ستكبر وستعرف بأن هذه مهنة من مهن الأجداد ورثناها عن آبائنا إنها مهنة نسميها بالزفانة فما أن يحين وقت جني الثمار من النخيل نجتمع كل يوم في بيت من بيوت أهل القرية من أجل أن نضع ما صنعناه تحت النخلة المراد جني الثمار منها تلك الحرفة التي اندثرت فلم أعد أرى لها اليوم وجود عاشوا على محصودهم من الزراعة وصيد السمك والغنم فالأب يعمل فالنهار خارج المنزل من أجل لقمة العيش والأم تربى أبناءها تربية حميدة صالحة تلك هي وظيفتها الأساسية لم تحتاج إلى خادمة كما هو الشائع في أيامنا نرى الأم والأب يخرجان من أجل طلب الرزق تاركان الأبناء عند العاملة فخروج المرأة للعمل وترك وظيفتها الأساسية راح ضحيتها الأبناء ، فالماضي للأب هيبته واحترامه فدخوله للمنزل يعلن حالة من الصمت المخيم على أرجاء المنزل ، وخطوات صوته كفيلة لأن نستيقظ من النوم لصلاة الفجر .
تربينا على احترام الأخرين فالمعلم هو الأب والمربي والقدوة التي نحتذيها في حياتنا لن أنسى تلك المسطرة الخشبية التي كان يحملها معلمي من أجل حفظ النظام فالصف صحيح كانت تؤلمنا ولكنها جعلتنا نحفظ جدول الضرب ونحفظ جزء عم ونتعلم أصول القراءة والكتابة ونحن لم نتجاوز العاشرة من عمرنا ولطالما شكينا لوالدين ضرب المعلم لنا فقالا بأنه لم يضربنا إلا لمصلحتنا وقالا بأن لم نعرف قيمة ذلك الضرب إلا إذا تخرجنا وتوظفنا وصحيح قول أهلنا فاليوم طالب فالصف الثاني عشر لا يجيد القراءة والكتابة وإن سألته عن جدول الضرب فلم يجيبك والسبب منع الضرب في مدارسنا وعملية الترفيع أما نحن فالماضي لم يكن الوالدين متعلمان ولم نحتاج إلى مدرس خصوصي ولكنا نجحنا وبتفوق يشهد لنا بذلك شهادتنا .
فالماضي الأمان منتشر نخرج لنعلب مع أبناء الحي منذ الصباح ونعود فالظهيرة أو من العصر حتى المغرب وأهلنا في طمأنينة من أمرنا ليس كل اليوم الذي نتعجب من ابن الجار لا يعرف ابن جاره إلا فالمدرسة فيتعجب بأن زميله فالصف هو ابن جاره والسبب بأن كل طفل في منزله لا يدعاه والديه يخرج خوفا عليه ، والمدرسة التي تبعد بضعة الأمتار لا تعتبر بعيدة بل نذهب ليها ونرجع منها مشيا ولم نحتاج إلى باصات مكيفة ولم نخس على أنفسنا .
فالماضي لم نسمع عن تلك الجراثيم التي انتشرت على عربات التسوق ، وأرضيات المنزل ، ولم نحتاج إلى معقمات ولكنا لم نمرض .
فالماضي الجار للجار يتبادلون الأطباق فيما بينهم ، كأنهم يعيشون في منزل واحد
أيام مليئة بالفرح والسرور ،أيام لا تنسى جميلة في كل تفاصيلها اجتماعية أكثر ، طيبة أكثر عن هذه الأيام ، فالحياة فالماضي لها عطر وأريج ، كل شيء تغير الناس في تأزرهم قل واندثر عند البعض فالجار لا يعرف جاره ، والطالب صار لا يحترم معلمه ووالده ولا يولي دراسته أية اهتمام ، أيام ليتها تعود ...........