مؤسسة البابطين تكرم الشاعر عبدالله الخليلي في دورة الربيع القادمة بالكويت

[سالم الوشاحي]

أسرته تسعى لنشر أعماله الكاملة –
نزوى ـ محمد الحضرمي –

أعلنت مؤسسة جائزة عبدالعزيز بن سعود البابطين للأبداع الشعري، عن تكريم أمير البيان العماني الشاعر الراحل عبدالله بن علي الخليلي، في موسمها الربيعي القادم، الذي سيقام خلال شهر إبريل بدولة الكويت، ومعه سيتم تكريم شاعر الكويت راشد السيف، حيث ستقام حولهما ندوة ثقافية، تتضمن الندوة الخاصة بالخليلي تقديم ورقة عن حياته وشعره، وورقة حول الفلسفة الأخلاقية في شعره، وعلمت «عمان» أن د. أحمد درويش سيقدم ورقة حول الشاعر الخليلي كذلك، وتم تكليف د. محسن بن حمود الكندي من جامعة السلطان قابوس بتقديم أحد الدواوين الشعرية للشاعر الخليلي، أو تشكيل ديوان يضم منتقيات من أشعاره، لنشره بالتزامن مع الفعالية، كما علمت أيضا أن أسرة الشاعر ستتولى طباعة شعره، فهي بصدد نشر أعماله الشعرية والنثرية كاملة، بعد تحقيقها.
وحول هذا التكريم تحدث نجل الشاعر محمد بن عبدالله الخليلي عن تكريم والده، وأكد بأنه سيقدم ورقة حول والده كما عايشه وعرفه، وسيسرد بعض التفاصيل عن حياته، والحالة المرضية التي عايشها الشارع لأكثر من عشر سنوات، حيث أصيب بمرض الباركنسون «شلل الرعاش»، وكيف كان يقضي الشاعر حياته في سنواته الأخيرة.

ديوان فارس الضاد

وأكد الشيخ محمد الخليلي في هذا السياق أن والده كان قد أصدر في حياته عدة دواوين شعرية، من بينها ديوانه الشهير «وحي العبقرية»، الذي صدر لأول مرة عن وزارة التراث والثقافة، ثم نشر قصيدة «وحي النهى»، ثم كتابه «بين الفقه والأدب»، وهو عبارة عن مطارحات شعرية بينه وبين الشعراء والفقهاء الذي عايشهم، ثم أصدر أخيرا ديوانه «على ركاب الجمهور»، بأسلوب الشعر الحر، وهو عبارة عن مجموعة من القصائد تشبه المسرحيات.
وفي السنة الأخيرة من حياة الشاعر عبدالله الخليلي كان قد انتهى من تجميع قصائده غير المنشورة في ديوان أسماه «فارس الضاد»، وهو بحجم وحي العبقرية، ولكنه لم ينشر، ومضت السنوات على هذا الديوان، فجاءت الفكرة إلى إصدار فارس الضاد محققا ومشروحا، بحاشية تعطي معاني المفردات تسهيلا للقارئ، وأخذ تحقيق الديوان ما يقرب من ثلاث سنوات، تقاسم العمل عليه الأديبان الشاعران: حسن بن خلف الريامي وعامر بن المر الصبحي.
وأضاف الشيخ محمد: رغم أن الريامي والصبحي قد حققا «فارس الضاد»، واستخرجا معاني المفردات لغريب اللغة الواردة في القصائد، إلا أنه ما يزال بحاجة إلى إعادة نظر، فجاءت فكرة أخرى وهي طباعة كل الأعمال الأدبية والنثرية للشاعر، لتصدر في مجموعة كاملة، تضم دواوينه المنشورة سابقا، وأعماله التي لم تنشر، مثل: ديوان فارس الضاد، والمقامات والمجتليات.

تحقيق الأعمال الكاملة

ولتحقيق هذا العمل تم تسليم كامل الدواوين للكاتب والأديب سعيد بن سالم النعماني، وهو الآن يعمل على تحقيق الأعمال، حيث ابتدأ بوحي العبقرية، واتفقنا معه أن ينظر إلى كل مؤلفاته، ويقوم بوضع شرح للمفردات الغريبة الواردة في القصائد، والتعليق على بعض الأعلام، وذات العمل سيشمل بقية أعمال الشاعر المنشورة وغير المنشورة، ونأمل من الباحث أن ينجز عمله نهاية هذا العام، أما «مقامات الخليلي»، فيعمل على تحقيقها بدر بن سعود المعولي، ونأمل أن نقدم كل أعمال والدنا وتراثه الشعري والنثري لإحدى دور النشر الكبير، لتقوم بمهمة الطباعة.
وتحدث محمد الخليلي أن والده الشاعر عبدالله، قام بتخميس «بردة البوصيري» بثلاثة أوجه، وضمها في ديوان متكامل أسماه «المجتليات»، وهو عمل فريد في تخميسه لهذه القصيدة الطويلة، كما حاول تخميس «همزية البوصيري» ولكنه لم ينجزه، بسبب مصارعته للمرض، ودخوله في حالات غيبوبة، فقمت بتخميسها بدلا منه، وكانت الفكرة أن أبدأ من حيث انتهى والدي، ولكني عدلت عنها، لأخمسها كاملة من بدايتها، بتشجيع من الصديق د. محمود السليمي، فأنجزت التخميس وأصدرته في كتاب أسميته «النفحات النبوية في تخميس الهمزية».

الفلسفة الأخلاقية

من جانبه تحدث الشاعر سعيد بن محمد الصقلاوي، الذي سيقدم ورقة حول الفلسفة الأخلاقية في شعر الشيخ عبدالله الخليلي، بأن الشاعر الخليلي يمثل قيمة في الشعرية العمانية، خصوصا الشعر الكلاسيكي، وشعره يحتاج إلى قراءة خاصة، ولهذا اخترت أن أبحث في شعره موضوع «الفلسفة الأخلاقية»، فقد اكتشفت من خلال قراءاتي لشعره، أن الشاعر الخليلي ينحو إلى هذا الاتجاه، وقد تمثلت فيه هذه الاتجاهات الأخلاقية، من قيم وأخلاق مثالية تربى عليها، ونهل منها، انعكست في شعره، المضامين الشعرية تأتي في هذا السياق، وأن تنوعت الموضوعات، ولكن المضمون واحد وهو السياق الأخلاقي.وقال الصقلاوي أيضا: إن معظم الدراسات في شعر عبدالله الخليلي درست الجانب اللغوي، إلى جانب دراسة الأغراض العامة، ولكني سأحاول أن أبحث في شعره الفلسفة الأخلاقية، فقد التقيت بالشيخ عبدالله، وجمعتني به أمسيتان شعريتان، الأولى كانت في عام 1982، نظمتها مجلة الغدير، وشارك فيها كل من الشعراء سالم بن علي الكلباني، وعلي بن شنين الكحالي، وآخرون، وفي هذه الأمسية فاجأنا الشاعر الخليلي بتقديم قصيدة «الاستقالة»، التي أثارت شجن الحضور، سالت على إثرها أقلام الشعراء، مطالبة إياه بالعدول عن الاستقالة، والعودة إلى الشعر، فعدل وعاد إلى كتابة الشعر من جديد.
أما الأمسية الثانية فكانت في منزل الشيخ سالم بن محمد العبري بالقاهرة، كان ملحقا إعلاميا، ثم جمعتني به لقاءات أخرى في بيته، وشارك الشيخ عبدالله في مجلس الثلاثاء الذي كان يعقده النادي الثقافي في بداية عمله خلال سنوات الثمانينات.

اللغة الشعرية الخليلية

وتحدث الشاعر سعيد الصقلاوي عن المكونات اللغوية واللغة الشعرية للشاعر الخليلي، فهي تجنح إلى لغة العصر الأموي والعباسي، حيث تأثر بكثير من شعراء تلك الفترة، ولأن الشعر في هذه الفترة كان نموذجا في قوته ونضجه، حتى أن الشاعرين محمود سامي البارودي وأحمد شوقي شربا من نفس المنبع الشعري، ويتميز الشاعر عبدالله الخليلي بحسن السبك اللغوي للمفردات والتراكيب متماسكة، لذلك فمعجمه اللغوي بياني صرف.
ويضيف الصقلاوي: الذي استطعت أن أستخلصه من رؤية، أنه إلى آخر حياته ظل الخليلي يجنح إلى الفلسفة الأخلاقية، حديثه عن العروبة والاسلام والمجتمع، وفق سياق فلسفي أخلاقي، هو يريد مجتمعا محكوما بالأخلاق، وإنسانا سويا محكوما بالأخلاق، وفي هذا الاتجاه لن تجد في شعره خروجا في اللفظ، وتجاوزا في الألفاظ الأخرى، وإنما يحاول أن ينتقيها بدقة، وهو حينما يتكلم عن المرأة فهو يتكلم عن الجمال، مدفوعا بإيمانه بالفلسفة الأخلاقية.
أما شعره فيصلح للقراءة في كل مكان زمان، العيب ليس في شعره ولا في شعر الشعراء، إنما في الثقافة السائدة، هي التي ينبغي أن ترتقي وتتعامل مع اللغة ومضامينها.
مثال على ذلك الشعر الانجليزي، إذ لا يزال القراء يقرأون شكسبير، ويبسطون لغته لطلاب المدارس، كما يقرأون فولتير أيضا، لا يوجد ما يمنع من أن نقرأ نماذجنا الشعرية الكبيرة، هذه رموز حضارية، فقط أن نعرف كيف نوصل هذا العطاء ونستفيد منه، وبالتالي فإن شعر الشيخ عبدالله يمكن أن يستفاد منه في كل الاتجاهات، وهو أيضا استفاد من أبي مسلم البهلاني، والستالي والنبهاني، هذه رموز شعرية حاضرة في وجدان الشاعر الكبير بكل محبة.

شيخ القصيدة العمانية

جدير بالذكر أن الشاعر عبد الله بن علي الخليلي يعد شيخ القصيدة العمانية في النصف الثاني من القرن العشرين، فقد كان شعره ينم عن تمكن في سبك الألفاظ وتصوير المعاني، حتى أنه سمي بأمير البيان، ولا إطراء ولا مجاملة في ذلك، وكانت موهبته الشعرية قوية منذ بدايتها، ولم يقتصر نتاجه الأدبي على الشعر، بل كتب المقامات والقصة القصيرة.أصيب الشيخ عبد الله بن علي الخليلي بالشلل الرعاش، أعقب ذلك حالة من العزلة عاشها، حيث قل اختلاطه بالناس، وفي هذه الفترة زاد نتاجه الأدبي، وفي أواخر حياته اشتهر بالزهد في أشعاره، وبقي وفيا للقصيدة حتى توفاه الله بتاريخ 30 يوليو 2000م. جدير بالذكر أن مؤسسة جائزة عبدالعزيز سعود البابطين للإبداع الشعري تعمل في شق منها على تكريم المبدعين من الشعراء ونقاد الشعر وإصدار المطبوعات عن الشعراء الذين تحمل دورات المؤسسة المتتابعة.

جريدة عمان