الرسالة الأولى

[حمد السيابي]

الرسالة الأولى
جاءت رسالتها الأولى معطرة برائحة الياسمين .. صحيح أنها جاءت عبر الأثير ولكنها كانت مشحونة بأسئلة تبحث عن إجابة..
لم تكن رسالتها الوحيدة التي تكدست على شاشة هاتفي ، ولكنها الوحيدة التي بعثرت أوراقي .. والوحيدة التي حركت مياه الذاكرة الراكدة منذ زمن .. والوحيدة التي أضاءت داخلي شموع الحياة النرجسية ..
آه ما أضعفنا نحن بني البشر تفقدنا الكلمات كل شيء .. وتعيد إلينا كل شيء ..
تغلق أمامنا طرق الولوج إلى قلوب الآخرين .. وتفتح أمامنا أصعب الأقفال لأقسى القلوب ..
ما أتفهنا نحن بني البشر حين نوهم أنفسنا بالقوة ولكننا نسقط عندما نتعثر بكلمة ..
إذا هي الكلمات تتقاذفنا ككرة مطاطية في أيدي الصغار ..
ولكنها تعيد كتابة تاريخ عبورنا أولى المطبات إلى قلوب من نحب وأحيانا إلى من نكره ..
عجيبة هي الكلمات إذا .. عجيبة حروفها.. عجيبة أفعالها .. عجيبة تدفقاتها من أفواه العابرين فوق جسور الحب ..
يا الهي قادتني كلمات تلك الرسالة إلى الكتابة .. أعادتني إلى الدفتر المنسي ، والى القلم القابع وحيدا في منتصف الدفتر ..
قوة عجيبة دفعتني لفتح دفتري والإمساك برفيقي الذي اشتاقني مثلما اشتقته .. قلمي الذي سطرت به منذ زمان كلمات أوصلتني إلى ما أنا عليه الآن من ترف ..
عجيبة إذا هي الكلمات التي تغير مجرى حياتك .. تبعث الدفين المتكدس منذ زمن في حناجر الذاكرة ..
هذه كلمات رسالة واحدة تتكون من بضع كلمات ولكنها زلزلتني .. نفضت غبار ذاكرتي ، أعادتني إلى زمن الركض فوق أرصفة الكلمات ، وشوارع الجنون ، وشواطئ النساء ، والكتابات الجميلة على جدران الحواس المتدفقة ..
كلمات لها وقع مغاير على الذاكرة ، تملأك بالدهشة ونشوة الافتراس ، تنقض عليها وكأنك تحتضن جسدا طالما اشتهيته حلما ويقظة ..
آه ما أعظم الكلمات .. ما أشهى حروفها .. ما أجمل معانيها .. !
جاءت رسالتها الأولى بكلمات معدودة فبعثرتني ، وبعثرت معي أوراق ذاكرتي القديمة ، ذاكرتي الممتلئة إلى حد الفيضان ..
عبثا حاولت أصابعي الضغط على حروف كلمات الرد على كلماتها ، يا للفوضى ماذا حدث لأصابع طالما رسمت حروف كلمات هزت أحاسيس أصحاب القلوب الصدئة .. ماذا أصابك يا أصابعي ؟ ما هذه الرعشة الطارئة ؟
أقلب أوراق ذاكرتي ورقة ورقة .. أصاب بالدوران .. أضع ذاكرتي جانبا لأتلمس حروف كلماتي الجديدة .. إنه جنون الكتابة ، وتبعثر الكلمات ..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ