مراسم الإحتفاء بالعائدين من الغربة

[ناجى جوهر]

مراسم الإحتفاء بالعائدين من الغربة
أى سفيرين

يسافر الكثيرون من رجال مرباط في
الثلاثينات والأربعينات والخمسينات
من القرن الماضي وربما قبل ذلك
إلى دول الخليج العربي, و خصوصا إلى دولة الكويت
بحثا عنا العمل و طلبا للرزق واستجلابا للخير
أو للاتجار و توفير البضائع مثل الرز والسكر
والطحين و الشاهي و القمح و الزيوت
و الكيروسين و الملابس والفرش و الاقمشة و الأدوات المنزلية
و أدوات الصيد والعطور و مواد تصنيع البخور
تستغرق الرحلة (بحرية) في العادة مدة طويلة
حيث تتحرك السفن من فرضة مرباط
إلى بندر مدينة صور العمانية
ومنها يتوجهون برا أو بحرا إلى
دولة الامارات العربية المتحدة
دبج ـ دبي تحديدا ومنها إلى
بقية دول الخليج البحرين قطر السعودية
وقد تستكمل الرحلة بحرا
من بندر صور إلى البحرين أو الكويت وهكذا
وعند وصول التاجر إلى دبي
فانه يمكث هناك فترة ليست بالقصيرة
حتى و إن كان قد باع و إشتري
لأنه ينتظر سفينة عائدة الى صور
كما ينتظر طويلا في مدينة صور
حتى يجد سفينة متجهة الى مرباط
خاصة في فصل الخريف
اما الباحثون عن العمل فا نهم بعد
الرحلة المضنية يقضون أوقاتا
طويلة في ضيافة سابقيهم
من الاخوة والأصدقاء والمعارف
حتى ينجحوا في العثور على وظيفة
وهي في الغالب وظائف بسيطة
كسائقين أ وعمال أو حراس أو كتبه ... الخ
يعمل المغترب سنوات طويلة في الخليج (العالي)
يجمع الفلس (اى سه)على الفلس والربية (ربيت)
علي الربية و الدينار (قارش) على الدينار
وبين فينة و أخرى يرسل لأهله ما قدر الله من مال
أو متاع أو ملبس أو مأكل على هيئة (حوالة)

يبعثها مع أحد العائدين إلى مرباط
أو مع نوخذة من أهل مدينة صور
المعروفين جيدا لأهل مرباط
لكن لا يصبر الأهل كثير على
فراق أبنائهم و ذويهم و يتمنون وجودهم بينهم
على الرغم من ضيق الحال و ضنك المعشية
لذلك تخرج بعض النسوة من حين إلى حين منذ الصباح الباكر
و يبقين في الفرضة منتظرات قدوم سفينة ما حتى حلول المغيب
وهناك يدعين الله أن يعيد الغائبين سريعا بصحة وعافية
(سزفات عفات)
تجلس النساء كمجموعة واحدة على ساحل البحر في الفرضة
تتشاكين الوجد والحنين , ويصبر بعضهن البعض

بعد ذلك يجلبن طبل تنقر عليه بعضهن وتغنى وترقص أخريات
تنتظر النساء و الأطفال قدوم أية سفينة على أمل أن
يكون على متنها أحد الاحباب إبن أو أخ أو زوج
و في هذه الأثناء يسلين أنفسهن بالغناء و الرقص
و تقول أغنية التفاؤل المشهورة :
يا هيريبه و إن شاء الله ... تجيء به ... في أبيات أخرى
و المعنى اللهم أجلب الغائب و أعده سليما معافى
http://youtu.be/tQUfM5BTwrE
بينما تخرج ثلة من الشباب الى الرؤوس القريبة
مثل : رأس زهير(زهوره)
رأس الحناني (اى رش اى ذاحرر)
ورأس آغ بير (اى رش آغ بير)
رأس حنظيت (أى رش أ حنظيت)
يخرجون كمراقبين لرصد
السفن القادمة من الشرق أو من الغرب
فإذا جاءت السفينة من الغرب
فهي قادمة من الصومال أو من صلاله
أما إن جاءت من الشرق فهي بلا شك من صور
فإذا لمحوا إحداها من على البعد و تحققوا من أنها سفينة
بدن أو بوم (السفن الشائعة آن ذاك)

فإنهم يتسابقون ركضا حتى يصلوا الى اطراف المدينة
حيث يصرخون بأعلى اصواتهم :
(هيريا هيريا) ... (لنج زحم) يعني سفينة قادمة
فيستبشر الناس خيرا و يعمهم الفرح و السرور
يأتي إلى الساحل المزيد
من الصبيان و النساء على أصوات الطبول
و يشاركون في الإحتفال غناء و رقصا وتصفيقا
و عندما يتواجد عدد مناسب من الصبيان تطبل لهم النساء
و لأنفسهن رقصة أخرى تسمى يا قريب الفرج
ذات إيقاع يشبه إيقاع الزامل الظفاري إلا أنه أسرع قليلا .
ما يدل على أنه صوت ابتهاجي يبعث على الأمل و التفاؤل
و ترقص الأمهات مع صبيانهن هذه الرقصة متشبهات بالرجال
و لربما لبست بعضهن لباس زوجها لإدخال السرور
و الانس على قلوب الحاضرين
واذا ما تواجد رجلا او ولدا من
الريف او الجبل فان بعض الشباب يدفعه الى
داخل ميدان اللعب ليبرع (رقصة البرعة)
وهو لا يعرف مما يثير ضحك الناس وسرورهم
ما إن يسمع الاهالي صوت الطبل
حتى يتوافدون افرادا وجماعات بقصد الفرجة و المشاركة
و لربما تبرَّع أحد الميسورين بعمل غداء لتلك النساء
يستمر المهرجان الساحلي و الذي تتخلله بعض الالعاب النسائية

ومسابقات الصبيان كالقفز و الجري
والسباحة وبعض الألعاب الشعبية
حتى قبيل صلاة الظهر بقليل, فينفض
الجمع و يعودون إلى بيوتهم
و تقيل النسوة في أحد البيوت التي
عزموا على المقيل فيها
و بعد صلاة العصر تعاود النساء
نشاطهن السابق الذكر و لكن بعدد
أكبر من المشاركات والمتفرجات
و يستمر النشاط إلى قبيل صلاة المغرب
فان و صلت سفينة في أية لحظة
فان إيقاع الأنشطة يزداد زخما
و تغمر الفرحة العارمة وجوه الجميع
أما إن كان الناس على يقين
من وصول سفينة ما في وقت ما
فإن مراسم الإستقبال يختلف
نوعها حيث تشارك جميع
الفرق الفنية في أداء فنونها ومنها:
الشرح, المديما, طال عرايي
وطبعا يتولى الرجال تفعيل الحفل
و كلما إقتربت السفينة من البندر
كلما إزداد خفقان القلوب والكل
يمني النفس بوصول حبيب القلب
أكان أخ أو اب أو زوج أو خال أو عم أو قريب
فإذا رست السفينة بادر الشباب
بركوب القوارب الصغيرة (هورون)

و تسابقوا بالتجديف العنيف
المستمر حتى يصلوا إلى السفينة
و هناك يستقبلهم بعض البحارة
أو البعض من ذويهم العائدون
فيخبرونهم بأسماء الواصلين
على ظهر السفينة و يعود الصبية سريعا الى البر
و قبل أن تصل القوارب إلى
الشاطئ تستقبلهم بعض النسوة القوية
و اللاتي فاض بهن الصبر على
الإنتظار سباحة, و يمسكن بالهوري
و يسألن عن من عاد ,فاذا كان في
السفينة أحدا من أهلها و أقاربها رفعت عقيرتها
بزغاريد متتالية تتجاوب معها الواقفات
على الشاطئ و ترتفع أصوات الزعاريد
و صيحات التكبير من كل حدب وصوب
بينما يحاول الصبيان الوصول الى البر قبل غيرهم
و على اليابسة لا يكاد الصبي
يلتقط أنفاسه من قوة التجديف حتى تنهمر عليه الأسئلة
من عدة أفواه في آن واحد الأمر
الذي قد يربكه و يصيبه ببلاهة شديدة
و بلادة عويصة تدرج على لسانه
أسماء أشخاص ليسوا موجودون على السفينة
أو أسماء أناس قد توفوا وماتوا من أجيال سابقة

يتبع الجزء الثاني إن شاء الله