روابط مفيدة : استرجاع كلمة المرور| طلب كود تفعيل العضوية | تفعيل العضوية

.::||[ آخر المشاركات ]||::.
عذوبة البوح : لتوأم الروح : غز... [ آخر الردود : خليل عفيفي - ]       »     في محراب الحنين [ آخر الردود : ذكرى - ]       »     @في خاطري @ [ آخر الردود : وهج الروح - ]       »     زحمة مشاعر [ آخر الردود : خليل عفيفي - ]       »     رحلت بطيبك الصافي [ آخر الردود : خليل عفيفي - ]       »     مجاديف العتب [ آخر الردود : خليل عفيفي - ]       »     جنة الرعود - دراسة نقدية تحليل... [ آخر الردود : مصعب الرمادي - ]       »     أنشودة اهداء من ابنتي الطالبة ... [ آخر الردود : سالم سعيد المحيجري - ]       »     "دمعةٌ في عينيك… ومأوى" [ آخر الردود : نبيل محمد - ]       »     شكر وعرفان لأم سالم [ آخر الردود : سالم سعيد المحيجري - ]       »    


الجمعية العُمانية للكتاب والأدباء
عدد الضغطات : 3,969ضع إعلانك هنا - ثلاث شهور فقط 25 ريال عماني
عدد الضغطات : 3,244ضع إعلانك هنا - ثلاث شهور فقط 25 ريال عماني
عدد الضغطات : 9,323
دروازة للتصميم
عدد الضغطات : 55,155عدد الضغطات : 54,922عدد الضغطات : 54,996

العودة   منتديات السلطنة الأدبية > منتديات السلطنة الأدبية > القصة القصيرة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #13  
قديم 11-11-2011, 06:05 PM
الصورة الرمزية مختار أحمد سعيدي
مختار أحمد سعيدي مختار أحمد سعيدي غير متواجد حالياً
كاتب مميز
 
تاريخ التسجيل: Dec 2009
الدولة: الجزائر
المشاركات: 583

اوسمتي

إرسال رسالة عبر MSN إلى مختار أحمد سعيدي
افتراضي

الفصل الثاني




دخل كريم الى غرفة خضراء ، لا تزال صورتها فوق الطاولة تحتفظ بتلك الابتسامة النابعة من عمق البراءة ، تتحدى الراهن ،تملأ بنظرتها فضاء النفس ، أخذها ينظر اليها بعيون الشوق الهمعة ، تعيده الى سن الطفولة ، الى قهقهتها ،غنجها ،دلعها ، صوتها الجميل و هي تنشد ، رقطاتها ،تمايلاتها و هي تمشي ، كيف كانت تجري و تختفي خلف الأثاث و تحت الأسرة ، كانت تملأ البيت بالحياة ،حتى العمة نونة اخترقت سكونها ، و كانت تقطف من ثغرها الابتسامات ، عندما كان يضربها ، تبكي ، فاذا صاح كالديك وانفظ بدراعيه غلبها الضحك ، فتمتزج في محياها الدمعة بالسرور ، لترسم أجمل و أروع صورة للبراءة و التسامح ، فاذا سألوها من ضربها تقول باستحياء و خبث ...ضربني زوجي ...فيضحك الجميع ...
لا يزال يذكر كل التفاصيل ، كانت تكبر بسرعة ، تشكلت فيها مظاهر الأنوثة الحالمة ، كأنها وردة تتفتح كل يوم أكثر و تزداد جمالا ...بعد المراهقة بدأ يكتسحها الشرؤد من حين الى حين ، و أمست تحب الاعتزال ، ازدادت جمالا واختفت حيويتها واندثرت قهقهتها و غارت بسمتها ...لا تعرف الفراغ ، من الثانوية أو معهد الشيه الطبي الى المطبخ ، أول من يقوم من النوم هي و آخر من ينام ، تخدم الجميع ، تهتم بالجميع ، و لا يذكرها أحد ، ما رأى أمه يوما حضنتها أو أرفقت بها ، في حين كانت أخته ثورة مثل الأميرة ، الآمرة في كل شيء ، أطيب الأكل اليها و أجمل اللباس لها ، وحدها لها الحق في النزهة و السفر و الذهاب الى البحر و المخيمات الصيفية ...خضراء لا تطلب شيئا ... الغريب في الأمر أنها لا تشتكي أبدا ، حتى عندما تمرض تختفي ، ولا من يسأل عنها ، وحده هو يذهب اليها و يشتري لها الدواء ، في عيد ميلادها هو وحده أيضا الذي يقول لها عيد ميلاد سعيد ، و يقدم لها هدية ، كان بهذا يستعيد لها شيئا من بسمة زمان ممزوجة بدموع أخرى ، تأخذها و تجري كالطفلة الى غرفتها ، الشيء الوحيد الذي كانت تحافظ عليه هو مظهرها ، رغم بساطة ملابسها ، كانت تظهر كعارضة أزياء ، تؤجج نار الغيرة في ثورة التي كانت مثل السلك ،بيضاء بلقاء و حديدية الوجه ، صورة طبق الأصل للأم بلسان أطول و أحد ، توقفت عن الدراسة في الطور الابتدائي لغياباتها المتكررة و تستر ألأم عنها فطردوها ...
الصمت هنا سيد الموقف ، لأن السكون يروي قصيد مآثر خضراء ، ينشدها الوجدان و يعزف لحنها ألم الفراق على ايقاع الزفرات المتتالية ...آآآه و آآآه ..لقد أخذت معها كل معاني الفء و نبضات الأمل ، حتى الساعة توقفت متحدية مسيرة الزمن لتسجل أثر ما كان هنا . لم تأخد من أمتعتها شيئا و هي في مقام العزاء ...فتح الدولاب ،ملابسها مطوية على الرفوف و معلقة ، كانت خياطة بارعة و طباخة ماهرة ، يتصورها في كل بدلاتها ، رشيقة القد ممشوقته ، واسعة العينين ، طويلة الرقبة ، ناهدة الصدر ، ضيقة الخصر ....يوم جاءت بها أمه ، كان لا يزال طفلا ، استغرب لكونها سوداء ، يهز بها المهد و يشد لها الرضاعة ، يساعده على ذلك عمي المبروك بامبرا ، صديق العائلة ، يمزح دائما و يقول ، أنا اليوم شريك معكم بخضراء ، كان هذا الكلام يربك الأم ويتلون وجهها ، ما شعر بانسحابه من العائلة وانقطاع زياراته التي كانت يومية أنذاك ... و تبادرت الى ذهنه فكرة ..و من يدري لعلها تكون عنده ، أو يكون عل علم مكان وجودها ، فخرج مسرعا ...
عمي المبروك رجل أسود ،طويل ، عريض الصدر ، بيضاوي الرأس ، أبيض العينين ، و اسع الفم ، عريض الأنف ، صغير الأذنين ...اجتمعت في وجهه علامات الشقاء ، تغطيها الطيبة و براءة الأطفال ، سهل المراس ، لين الاندماج، طليق اللسان كثير التنكيت ، بارع في رواية الأساطير و كرامات الأولياء و الصالحين ، هكذا كان ريحا مرسلة بكلماته الطيبة طوال حياته ، عندما يتكلم عن نفسه كأنه يسلخ ذاته أو يجلدها و هو يبتسم ، انه الهم الذي يضحك ...
لما دخل كريم عليه كان جالسا ، فقام اليه و أجلسه في مكانه و هو يغمره بالترحيب و يحتويه بتلك الابتسامة اللطيفة التي تبعث في النفس الارتياح و الأنس ، كان عمي المبروك يحضر شاي المساء ، تراه و كأنه الفنان أو الساحر ، يمارس حركات تحت تأثير الهام روحاني لصناعة متعة الفرجة في تحضير الشاي ...
جلس أمام ضيفه و واصل عمله بنفس الوتيرة دون اهمال حفاوة الاستقبال و كرم الضيافة ، هذا الهدوء زرع في نفس كريم بدرة أمل ، فأسرع يفرغ جعبته مرة واحدة و دون مقدمات ...
كريم : هربت خضراء يا عمي مبروك ..
المبروك و بكل هدوء : أعرف ذلك
كريم: أين هي ؟..
المبروك : أردت أن أقول لك ، كنت أنتظر ذلك ، كثر عليها الضغط ، مسكينة خضراء ، لا ظهر لها و لا عصا ، كأنها غصن طفيلي في شجرة وجب قطعه ، صدق أبوك لما يسميها اليابسة ، لا زلت أذكر ذلك اليوم الذي جاءت بها أمك ، حز في نفسي سؤال و لم أجرأ ، لماذا جاءت بهذه السوداء المسكينة ، كان يظهر لي انذاك تافها ، قالوا أنها وضعت مخلوقا مشوها و مات ، فعوضوها بهذه السوداء ، وكتموا عنها ذلك حتى استعادت عافيتها فاخبروها بالحقيقة ، لم تتقبل في أول الأمر ، الا أن معاملتها لها كانت عكس ذلك ، و الأغرب كانت ترتحصنها بحنو الامومة الحانية ، كنت أحب خضراء كثيرا كأنها ابنتي ، أحن اليها و أذهب اليها كل يوم ، و من كثرة اهتمامي بها شعرت بنمو بذرة البغض و الكره عند سترة أمك اتجاهي ، و لم يهدأ لها بال حتى دبرت مكيدة ، و أحدثت ، سامحها الله القطيعة بيني و بين الحاج ، فأسمعني ما لم أكن أتوقعه منه ، عيرني و هددني ، فانقطعت صيلتي بكم .. كبرت خضراء و توظفت في المستشفى حيث كنت أعمل بوابا ، و تجددت صلتي بها ، فكانت لا تفارقني ، تمنيت أن أخطبها لابني رابح ، لكنني خشيت ردة فعل الحاج ، و صارحتني بتعلقها بك ...كانت تحبك كثيرا ،بقاؤها الى اليوم كان بسببك ، تحملت من أجلك الكثير ولكن ..
كان كلامه يقرع قلب كريم قرعا ، و حف المجلس بهيبة الاخلاص و عظمة الوفاء و صدق التضحية ... كان العطاء كبيرا حتى أعجز الوفاء على مجاراته ، واستصغر كريم كل مواقفه ،و طابت الجلسة واشتد الحنين ، و تدفقت الذكريات كمياه الشلال الباردة تغسل الظن من الشك ، وكانت جرعات الشاي تنزل ساخنة ، تشق في طريقها مهجة الصدر ..
كريم: كأني غريب في هذا البيت ، يحدث كل هذا و لا أحد يعلم !!...
المبروك: انها أرسرار البيوت يا بني ، للنساء فيها شؤون و للرجال خلفيات ...وفي رأي لا تحاول ، لن تصل الى شيء أبدا ..خضراء عقدة القدر لا يعرف حلها الا الله
كريم: لا أستطيع يا عمي ، البحث عنها أصبح بالنسبة لي ضروري و أكيد ، ينتابني شعور غريب و أريد أن أكتشف هذا المجهول الذي يدفع الحدث ، أتمنى فقط أن لا تكون قد انتحرت
المبروك: لا أتوقع هذا ، انها أقوى بكثير
كريم: هل يمكنها ان تذهب الى الخارج مثلا ؟
المبروك : الذي أعرفه أن ذهابها لم يكن ارتجالي
كريم: استسمحك ، أتركك بخير
المبروك: ماذا حدث ، لا بد و أن هناك قطرة أفاضت الكأس
كريم: نعم يا عمي المبروك ، طعنت أمي بخنجر
المبروك : لا !!.. أبدا غير ممكن ، لم تفعلها ، و لا أصدق ..
كريم: انها الحقيقة رأي العين
المبروك: أبدا ، هناك سر خلف الحدث ، خضراء لا تقتل حتى الذبابة ..
كريم: انها الحقيقة المؤلمة يا عم ، و لهذا أنا مقيد و لا أستطيع أن أغامر الآن ، أرجوك لا تفشي هذا السر حتى لا يسمعه أهل القرية فينقلب كل شيء
المبروك : أبدا ..أبدا .. ليتني أستطيع أن أفعل شيئا ..
ذهب كريم و عاد المبروك يبحث عن الحلقة المفقودة ، يسترجع تفاصيل الماضي و مكائد سترة ، حتى ما تساقط منها على هامش المواجهات ...كانت الغرفة واسعة ، مفروشة بالزرابي الصحراوية الحمراء ، بعض الوسائد من الصوف بيضاء كأنها خراف جميلة هنا و هناك ، على الجدار صورة للكعبة الشريفة ، حلم ما أستطاع تحقيقه ، فوقها ساعة قديمة من عهد والده ، تنبهه كلما مر من العمر نصف ساعة ، تتزاحم الذكريات في عمقه و تصارع الابتسامات الكآبة على وجهه ، هو كذلك ذهبت زوجته مرغمة ،توفيت منذ أربع سنوات بالرغم من هذا لا يزال يصنع لأحفاده الفرحة من ألمه و وحدته ، يحكي لهم همومه المضحكة ،أراد أن يقول لكريم الحقيقة ، لكنه أدرك أن الزمن قد تجازها ، و ربما تفسد أكثر مما تصلح و لا تساعد في شيء ، فكتمها ، و من يدري ربما يأتي القادم بنفخ في الحدث جديد ..شق عليه وضعه .
في طريقه الى البيت ، كان كريم مبعثر الأفكار ، يهدده اليأس من جهة ، و يدفعه العزم الى خوض المغامرة ، يحاول أن يجمع ما استطاع من حصى لتمهيد الطريق الذي يوصله الى ما وراء الحدث...ما أقساك يا أمي خلف ذلك الستار .
دخل يجر ذيل الخيبة ..
الأب : أين قضيت يومك ، ما رأيتك طوال النهار
كريم: أبحث عنها
الأب : تتحداني يا كريم ؟..أم هي السذاجة التي ستورطك ...كم أنت أحمق و مغفل ، يا بني لو كانت اليابسة تحبك كما تدعي، ما كانت لتفارق البيت أبدا ، و حتى لو عثرت عليها اليوم ، كيف تثبت براءتها أمام الناس ؟..أين هي الآن ؟.. لقد أصبحت من بنات الشارع
كريم في نفسه : و متى كان للبائسة أب أو أم ، منذ عرفتها و هي تدفع ثمن خطيئة الآخرين ..
ثم قال : الغائب حجته معه ، و من يدري يا أبي يمكن أن يكون قد أصابها مكروه أو انتحرت ...الغضب أوله جنون و آخره ندم
الأب : لا زلت تعيش بالنية الحسنة ، بنات الليل كألسنة الحمير يأكلن الشوك بلذة ..
نظر كريم الى أبيه وكأنه يراه لأول مرة ، يحاول الولوج أكثر الى ذخيرة الشر في ذاته ...
كريم : لا علاقة للزمن بهذه الأمور
الأب :المرأة كالدجاجة تطعمها كل العام ولا تشبعك ليلة ، هكذا قال جدك يرحمه الله
كريم : على كل حال ، أمي ليست كذلك
الأب: أمك من نساء زمان ، كن أمانة في أعناق الرجال ، أما اليوم المرأة حبل في عنق الرجل ، هذه الأصيلة ، أما اللقيطة مثل اليابسة فحدث ولا حرج
كريم: رغم هذا لا تزال المرأة هي الأم والأخت والزوجة و.... وليست خضراء كل النساء وليست النساء كلهن خضراء
الأب: أشغل نفسك بما هو أهم ، واترك هذه التفاهات ، أستاذ مثلك على أبواب المستقبل ومحامي في مقتبل العمر ينتظره الكثير : لما كنت في سنك رغم جهلي ..
وبدأ يعيد سرد حكايات مغامراته وتحايلاته وحيله ، حينها كان كريم قد انتقل الى عالم الافتراضات يحاول الوصول الى المجهول في كل طرح ، وفهم الأب أن ولده لم يعد يستمع اليه فسكت ..وساد الصمت ، فتنهد كريم ، وقام مستترا بابتسامة مجزاة ، وترك الوالد يجتر في نفسه أيام شبابه وزهوه ، يلعن كعادته شيبته وضعفه وهوان أمره ونواهيه ، يلعن وجوده على الهامش بدعوة الحفاظ على صحته ، وهو يعرف أنه لم يبق فيه الا اللسان السليط ، ولكن لا يهم كما يقول المثل ، أقلقهم فقط حتى لا ينامون .. وقبل أن يخرج التفت اليه قائلا
كريم : عمي المبروك يبلغك السلام
الأب : المبروك ؟!
كريم: نعم ، عمي المبروك بامبرا
الأب: أسود القلب لا يتحرك الا في الظلام ... خفاش ، لاشك أنه هو من أفسدها
كريم : ما علاقته بها ؟ ولو كان الأمر كذلك لذهبت عنده
الأب : أنت لا تعرف هذا الصنف من البشر ، يحرقون البيت ، ويبكون مع صاحبه
كريم: هكذا اذا ، هي علاقة أطفال ؟ هذا كان صديق الأسرة ، كنا نعده عما لنا ، شاركنا المسرات والمكاره ، أنا لم أر فيه ما ينافي الأخلاق الفاضلة ، وقد استقبلني بحفاوة بالغة ، كان أطيب ما يكون
الأب: طيب الله لحمه بالنار ، كاد يحطم أسرة بكاملها لولا فطنة أمك
كريم : ماذا فعل ؟
الأب : لا تحاول
كريم : عمي المبروك ؟!
الأب: لا بارك الله فيه وأعماه
كريم: لم نسمع بهذا
الأب: قلت لك لا تحاول
خرج كريم وهو يحاور الأنا ولاتزال خيوط الماضي تتعقد ، وهذه الأسرار جزأها القدر وعسر جمعها ، وفكك الحدث ووضع في كل منعطف نفسي سببا يبرر خلفيات سكوت ضاعت دوافعها ، ولا أظن أن السؤال هو مفتاح هذه الأبواب الموصدة .. ينظر الى أخته ثورة من بؤر الذاكرة بقدر ماضاقت عينيها بقدر ما ضاقت بصيرتها تتطاير منها شرارات الكره محرقة ، الأم كأنها تمثال نحت من الصم لا تؤثر فيه فصول الذوات ، باطنه كظاهره ، يتعامل مع الجميع برطوبته وبريق ظاهره ، العمة حية تسكن دهاليز البيت تتلون بلون الحدث ولا تقول شيئا ، انها العلبة السوداء ، حتى ترتيب الأثاث وألوان والستائر والصور على الجدران كانت تصنع نوعا من القلق وكأن اليد التي مرت من هنا كانت تخفي وراء كل لمسة سر ، ووراء كل شيء ظن ، هذا البيت العتيق من عهد المعمرين تجاوز المائة سنة تظنه لا يزال يحتفظ بظل أصحابه الى اليوم ، تزرع التنافر لتفرض وجودها في وسط هؤلاء الأحياء لتنتقم ، كأننا لسنا نحن ، كم من مرة تحدث بعض الخوارق يستحي أحدنا أن يعيدها ، خوفا من اتهامه بالجبن أو الجنون ، نسر بها الى بعضنا البعض حتى يعرفها الجميع ولا يذكرها أحد .. عندما ننزل الى القبو وكأننا في قبر ، يشعر الداخل كأنه يعيش تلك الأفلام المرعبة التي تسيل العرق البارد في البدن ، نستعجل الخروج متسائلين ماذا حدث هنا ؟ .. غريب ، كثيرة هي خبايا الحدث بين أفراد أسرة لا يتجاوز عددهم أصابع اليد ، رغم كل الفضول ، لا نزال نجهل الكثير ... هكذا حتى وجد نفسه أمام غرفة مكتبه ، كانت العمة نونة في آخر الرواق فاختفت ، لم يراها منذ ليلة الحادث ...
دخل ، جلس على حافة المكتب ليواصل ذلك المنولوج ، الا أن الحبل الذي كان يربطه بفلسفة هذا الاكتظاظ انقطع مرة واحدة ووجد نفسه يدور في دائرة مفرغة حلقاتها من صنع الصمت الذي يحاصر هذا البيت ، الشيء الوحيد الذي يخشاه الانسان عندما يخوض أي مغامرة أو يريد أن يرفع أي تحد هو عامل الصمت ، لأن وراء كل سكون عاصفة كما يقول المثل ...
يعود الى حديث أبيه عن المبروك وعن خضراء ، يستحظر تلك العدوانية التي تمكنت من نفسه اتجاههما
-ماذا تريد أن تجني من امرأة أنتجتها الخطيئة ؟
-ماذا سيقول الناس عنا ؟
-ماذا تنتظر من امرأة خبيثة الا ثمار خبيثة !
-المفروك ، لابارك الله فيه وأعماه !
-ذلك الأسود ، أسود القلب !
-انها اللعنة التي لا تزال تطاردنا !
كانت هذه الكلمات تتردد في عمق كريم كأنها انفجارات لألغام قديمة زرعتها النيات المبيتة لتفجير ما تبقى من الحقيقة ... تذكر العمة نون فقام يبحث عنها ، في آخر الرواق كان سلم الطابق العلوي ، صعد ، في آخره نافذة تطل على الحديقة ومدخل البيت ، حيث كانت تقضي العمة أكثر وقتها ، هنا لا يأتي أحد ، لا الأب ولا الأم ، مرض الروماتيزم وأوجاع الظهر تحول دون المغامرة ، وثورة لها كل ما تريد في الجناح الأرضي ، بل أكثر من ذلك هي من سمت العمة نونة بالشبح ، انهما لا تتواجدان في مكان واحد أبدا ، تقول لهم دائما لو يموت أبي سأطردها شر طردة ، عندما تسمعها نونة تضحك ملأ فاها ، ثم تنظر اليها بمقت قبل أن تنصرف ، تقول لها دائما. . سنرى من ؟ ..
ذهب الى غرفتها يدق ، لا أحد يرد ..
كريم : عمتي ! عمتي .. ! عمتي ..!
ولما هم بالانصراف ، هاهي ذي قادمة من هناك ، من منعطف الرواق المظلم ، لعلها تكون قد تعمدت هذا الظهور المفاجئ من حيث لا ينتظرها أحد ، فتحت دخلت ، شرعت أبواب النافذة وعادت ، أشارت اليه فدخل ... كانت صورة الجد بين النافذتين أمامه ، بشنبه الطويل وعمامته المبرومة كرزمة حبل فوق رأسه ، برداء قياد فرنسا والسوط في يده ، جوارب حمراء ووسام الشرف الفرنسي على صدره تزينه الأعلام ...
تدفع شفته السفلى العليا ، ترفعها كهامته في كبرياء وعزة ،بجانبه كلب صيد أبيض ، هناك واحد يشبهه ، يا سبحان الله ، كأنه هو ، و لكن لا يذكره ، يحاول ...غير ممكن ،على كل لا يهم ، سيفكر فيه من بعد ..

يتبع.....




رد مع اقتباس
 

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:13 AM.


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
Ads Management Version 3.0.1 by Saeed Al-Atwi
جميع الحقوق محفوظة لدى الكاتب ومنتديات السلطنة الادبية